يوسف عبدالله محمود: د. عبد العظيم انيس في ذكراه الخامسة عشرة

يوسف عبدالله محمود

لم تعد الكثير من التصريحات العربية حول “التضامن العربي” ودعم القضية الفلسطينية تقنع أحداً. هي مجرد تصريحات للاستهلاك المحلي تنطلق من حين وآخر وبخاصة في أيام “الأزمات” التي تشدد “الخناق” على هذه الامة. الاكتفاء بالتصريحات هو نوع من الضعف والاستخذاء العربيين، بات ممجوجاً من الجماهير العربية التي تؤمن بأن صراعنا مع اسرائيل هو صراع حضاري وتاريخي. ومالم ندرك مفردات هذا الصراع، ونعمل كعرب على ان نكون مستعدين له لا بالكلام بل بالفعل واستثمار “أوراق” القوة والضغط التي نمتلكها، فإننا لن نرفع الضيم عن هذه الامة، بل سنساهم كمسؤولين في إطالة أمده.

في مقال هام له عن بعض اوراق هذا الضغط الذي يمكن ممارسته عربياً على “الامبريالية” والصهيونية، يشير المفكر الراحل د. عبد العظيم أنيس الى “سلاح النفط”، وهو هنا لا يطلب طلباً غير معقول، بل يطالب دولنا النفطية “أن تخفّض إنتاج النفط بمقدار الخمس”. وفي رأيه ان مثل هذا التخفيض لو تم عربياً وبالاجماع لهزّ الغرب هزاً عنيفاً “ولأحدث ضجة كبرى في عالم الاقتصاد الغربي وتسارع المسؤولون في الغرب الى اتخاذ مواقف اكثر ايجابية من القضية الفلسطينيةاما السلاح الآخر الذي يمكننا كعرب استخدامه والذي طالما تحدث عنه الكتّاب والمفكرون العرب بل وبعض انصار “الحرية” في العالم من مفكري الغرب، فهو “المال العربي” المكدّس في بنوك الغرب والذي يُستخدم بعضه في دعم اسرائيل عسكرياً واقتصادياً. وفي هذا السياق يقول أنيس: “اليس من العار ان يظل هذا الوضع قائماً بينما العديد من المجتمعات العربية في امسَّ الحاجة الى استثمارات توظف لتحقيق التنمية؟”. (عنوان المقال: “الصراع العربي- الاسرائيلي”، منشور في كتاب “النهضة واكتساب المعرفة في الوطن العربي” ص 39، صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت)

ما طالب به هذا المفكر الراحل ليس تطبيقه مستحيلاً. هو لم يطالب بقطع “النفط” عن الغرب نهائياً كما حدث عام 1973 في حرب اكتوبر والذي كبح جماح الغرب الاستعماري آنذاك الداعم للعدوانية الاسرائيلية، فهذا لم يعد متيسراً وممكنا في اللحظة الحاضرة، ولكنه طالب بخطوة معقولة لو تم الاتفاق على تنفيذها عربياً لأثارت رعباً في امريكا واوروبا واسرائيل. إن تخفيض انتاج النفط بمقدار “الخمس” –كما يرى هذا الخبير الاقتصادي- لن يؤثر على “التنمية” في البلدان العربية النفطية وعلى التزاماتها نحو البلدان العربية والافريقية الفقيرة، ولكنه سيضرب الصناعة الغربية في الصميم.

أما “المال العربي” “المخرن” بالمليارات من الدولارات في بنوك امريكا واوروبا والذي –مع الاسف- يساهم في تسليح اسرائيل ودعم اقتصادها، فإن إبقاءه على هذا النحو يعد مسّاً بالكرامة العربية في زمن باتت فيه إسرائيل تدلع لسانها للتصريحات العربية المستنكرة لتصرفاتها العدوانية بحق الفلسطينيين وغيرهم من العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى