ردا على مقال الحسين سلم عبدوه
انواكشوط

أولاً: التصويب الإداري لا ينقض التحليل السياسي
أشير إلى أن استخدامي لعبارة “مقاطعة لخشب” لم يكن خطأً في التصنيف الإداري، بل كان اختصارًا متداولًا في الخطاب المحلي، إذ إن بلدية لخشب، رغم تبعيتها الإدارية لمقاطعة تيشيت، لها واقع ميداني خاص يجعلها تُتناول أحيانًا بوصفها مركز ثقل سياسي واجتماعي قائم بذاته. ومع ذلك، فإن الإشارة إلى وضعها الإداري لا تغير من جوهر المقال الذي يسلّط الضوء على التوازنات السياسية داخل مكون اجتماعي فاعل.
ثانيًا: شخصية سيد أحمد ولد ابنيجاره ودورها
لا خلاف حول المكانة الرفيعة التي كان يحظى بها المرحوم سيد أحمد ولد ابنيجاره، وقد ذكرت ذلك بوضوح في مقالي الأصلي. غير أن تقييم آثار وفاته على المشهد المحلي لا ينتقص من رمزيته، بل يعكس حجم الفراغ الذي خلّفه، وهو أمر طبيعي حين تغيب الشخصيات الجامعة ذات التأثير العابر للحدود القبلية والسياسية.
أما الحديث عن أن القيادة التقليدية انتقلت بسلاسة إلى الشيخ مماني ولد ابنيجاره، فهو أمر يقرره الواقع والتجارب لا البيانات الإنشائية. والواقع أن هناك تباينًا في المواقف وظهورًا لصراعات كامنة، ظهرت على السطح بعد رحيل المرجعية الجامعة.
ثالثًا: الانقسام السياسي ليس اتهامًا، بل توصيفًا لحالة متغيرة
وصف بعض الحراك الداخلي بأنه “انقسام سياسي” لا يعني تجريم أحد أو الانتقاص من وحدة القبيلة، بل هو توصيف لتطور طبيعي في مجتمع يشهد تغيرًا في المزاج السياسي والولاءات. وهذا لا يعيب القبيلة، بل يعكس تطورها وتنوعها، خاصة حين يتحول الولاء من قيادة تقليدية موحدة إلى مشهد تتعدد فيه الأصوات والمواقع.
القول بأن التحركات هي مجرد “تحالفات انتخابية عابرة” يقلل من وعي المواطنين، ويغفل عن حقيقة أن بعض مراكز الثقل داخل القبيلة أصبحت تعيد تموضعها بشكل مستقل، سواء لأسباب قناعات سياسية أو تغييرات في طبيعة القيادة.
رابعًا: التنمية لا تنفصل عن وحدة الصف ولكن…
فيما يخص التنمية، فإنني لم أقل إن الخلافات القبلية هي السبب الوحيد في تعثرها، بل أشرت إلى أن غياب وحدة الموقف أضعف قدرة المجتمع المحلي على التفاوض الجماعي والمطالبة بحقوقه. وهذه حقيقة يقرها كل من راقب المشهد في السنوات الأخيرة، حيث تُطرح المشاريع غالبًا وفق اعتبارات فردية لا رؤية جماعية.
خامسًا: الصحافة ليست خصمًا لأحد
أستغرب أن يُختزل المقال في كونه “تأجيجًا للتفرقة”، بينما هو محاولة جادة لتشخيص حالة اجتماعية متحركة، لا تحكمها العواطف أو المجاملات. والقول بأن كاتب المقال “لا يعرف المنطقة” إساءة مجانية لا تليق بمستوى الحوار، إذ إنني ابن هذه الأرض، وأكتب من قلب الميدان، ولدي ما يكفي من المعطيات والمعاينات لأرسم صورة واقعية، حتى وإن كانت غير مرضية للبعض.
في الختام:
دعوتي هي أن ننتقل من الدفاع العاطفي إلى التقييم العقلاني. فقد رحل سيد أحمد ولد ابنيجاره رحمه الله، وترك وراءه مسؤولية جسيمة: الحفاظ على تماسك البيت الداخلي، لكن هذا لا يتم عبر نفي المشاكل بل بمواجهتها بالحكمة، والانفتاح على جميع الآراء.
ولا بد أن نقرّ – بصراحة – أن هناك مرحلة جديدة بدأت، وأنها تتطلب مقاربات جديدة ومصارحة داخلية، لا التهجم على من يطرح أسئلة ضرورية، ولا شيطنة من يلفت الانتباه إلى تحديات ظاهرة للعيان.
رحم الله الشيخ الراحل، وجعل من خلفه خير خلف، ووفق أبناء الرعيان إلى ما فيه صلاحهم وصلاح بلديتهم.